مع انخفاض درجات الحرارة وارتفاع نسبة الكآبة لدى العديد منا، بسبب
افتقادنا لنور الشمس، تصبح الحاجة إلى ما يحسن المزاج أكثر إلحاحا. ولا
حاجة إلى القول إن الأحوال الاقتصادية الراهنة لا تساعد كثيرا، لأن التسوق
الذي كان يعتبر بالنسبة للبعض وسيلة تنفيس، أصبح يحتاج إلى تفكير طويل،
وزمن التسوق العشوائي لكل ما هو موسمي، بغض النظر عن سعره، أصبح في خبر
كان. لهذا، يمكن القول إن العطور قد تكون حلا وسطا لكل هذه
الأمور.. فهي لا تكلف كثيرا، مقارنة بحقيبة من الجلد، أو زيّ بتوقيع مصمم
معروف، كما أنه معروف عنها أنها تمنح النفس بعض الدفء والبهجة. فإذا
كان قد ثَبُتَ علميا أن الضوء يخفف من درجات الاكتئاب، فإن التجربة أكدت
أن العطور أيضا لها مفعول السحر على المزاج ورفع المعنويات، لأنها تأخذنا
إلى عوالم مريحة، أو بالأحرى إلى تجارب سعيدة عشناها في الماضي، قد تعود
إلى أيام الطفولة، عندما كانت الحياة لا تزال سهلة وبريئة، من دون
مسؤوليات أو ضغوط. ورغم أنها، أي العطور، قد تجاوزت الحدود بين
الجنسين والفصول، وأصبح كل شيء فيها مقبولا، ما دام الأنف يتقبله، والنفس
تهفو إليه، إلا أننا في فصل الشتاء نميل أكثر إلى النكهات الدافئة التي
تعبق بالقرنفل والعنبر والبخور والمسك والأخشاب الثمينة على اختلافها،
فضلا عن بعض الفواكه التي تحلو في موسم الشتاء، مثل الليمون. وهكذا تتوارى
العطور الخفيفة بعض الشيء في انتظار موسمها الصيفي. ويشير
الخبراء إلى أن الزهور الآسيوية الشرقية، وخلاصات الزهور الحسية، التي
تفوح بالإغواء، هي التي تسيطر على العطور مع مقدم الشتاء. وتُورِد
بريتا جون من جمعية «تحالف الجمال» بمدينة بيليفد الألمانية، هذا الرأي
بقولها إن «الصدارة هذا الشتاء للروائح الفاخرة، التي تدخل فيها خلاصات
زهور الفواكه الشرقية الممزوجة بالأخشاب». ويوضح مارتن روبمان من
«الرابطة الألمانية لصناع مستحضرات التجميل» في برلين أن هذا يعني دخول
فواكه، مثل البرتقال والتفاح واليوسفي والمانجو في لب العطر، وتتناغم مع
خلاصات أخرى أكثر دفئا. ويشير «بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من
الزهور البيضاء، مثل الياسمين والفريزية واللوتس ونبات السحلبية وما
شابهها، تدخل بوضوح في إنتاج العطر؛ لتعطيه لمسة حسية واضحة». والملاحظ
في هذا الموسم شبه إجماع من قبل صناع العطور على استخدام زهور البرتقال في
منتجاتهم، فشركة «بوشرون» الباريسية، مثلا تجمع خلاصة البرتقال وخلاصة
الورد مع لمسات من الفواكه والتوابل في العطر الذي تنتجه باسم «بي»، وتجمع
دار كالفين كلاين زهور البرتقال والخوخ الطازج والعنب مع الورود الدمشقية
الحمراء والياسمين المصري في عطرها «سيكريت أوبشن»، فيما يركز جورجيو
أرماني في عطره «كود» على زهور البرتقال مع الياسمين العربي وخلاصة عطرية
مستخرجة من الفلفل الأحمر، إلى جانب عطر يقوم أساسا على خلاصة الفاكهة،
يغلب عليه خليط من الليمون واليوسفي والكمثرى والجوافة من إنتاج شركة
«ديزل» للعطور. وأطلقت الشركة على هذا العطر اسم «فويل فور لايف
أنلميتيد»، (وقود لحياة غير محدودة). أما شركة «بنيتون»، فتجمع بين خلاصة
زهور الخوخ مع البرتقال وليمون البرغموت في عطرها «إيسنس». وبعد
توقفه عن إنتاج العطور لمدة تسع سنوات، طرح المصمم الفرنسي جون بول
غوتييه، عطرا خاصا بالنساء، أطلق عليه «مدام»، يجمع البرتقال الحمضي
والورد وعصير الرمان. هذا، إلى جانب لائحة طويلة من المصممين وبيوت
الأزياء التي ركبت نفس الموجة طويلة، وتعتمد كثيرا على مبيعات هذه العطور
في مساعدتها على تجاوز الأزمة المالية العالمية التي أثرت على القدرة
الشرائية ونسبة الإقبال على المنتجات المترفة عموما. ويشير
إيلمار كيلدنيش من «الرابطة الألمانية لمنتجي العطور» إلى أن تركيز
النكهات، مثل البرتقال والورد، يشير إلى أن هناك أيضا اتجاها للعودة إلى
الوراء واستخدام مكونات لعطور كانت شائعة في الماضي، أي أنها كلاسيكية،
الأمر الذي يناسب الوقت الراهن. ويوضح كيلدنيش أنه «منذ وقت طويل
كانت العطور الخفيفة المركبة تلقى إقبالا كبيرا، أما الآن، فإن العودة إلى
العطور الكـلاسيــكية أصبح أمرا شائعا، لاسيما بعد تحديث مكوناتها
وتجديدها، بحيث أصبحت تختلف عما كانت عليه في أيام الجدات». ومن
الطرق التي تم اعتمادها مؤخرا، لإضفاء الكلاسيكية على العطور النسائية
الجديدة، إدخال نكهة عطرية رجولية في قاعدة العطر؛ لمنحه التميز والحداثة،
وإدخاله إلى العص