ثقافة الأمن .. وثقافة التشجيع

عرف جيداً أن ما أخوض فيه الآن هو حقل ألغام ليس من المفترض أن يخوض فيه أحد بناء على قواعد هذا الوطن .


ولكن الأمر يحتاج لوقفة حاسمة من الجميع بداية من الأمن المصري مرورا
بجماهير الكرة وانتهاء بالمواطن العادي الذي يمشي في الشارع وليس له علاقة
بكرة القدم .


أثيرت في الفترة الأخيرة مشكلة علاقة الأمن بجماهير كرة القدم
خاصة بعد مباراة الأهلي والأسماعيلي في الأسماعيلية وما واكبها من أحداث
قام الإعلام بتضخيمها بشكل ملفت للنظر على الرغم من أن هذه الأحداث تحدث
في جميع أنحاء العالم ولا تؤثر بأي شكل من الأشكال على "أمن الدولة" كما
أوهمنا البعض .


وتعالوا نرجع إلى مباراة الإسماعيلي والأهلي سريعا .. ما حدث هو
أن جماهير الفريقين أشعلت الشماريخ أثناء المباراة وهو ما يحدث في عدد
كبير من ملاعب العالم وهو ما حدث أيضاً في نهائي أمم أوروبا الأخيرة حيث
أشعلت جماهير اسبانيا الشماريخ احتفالا بفوز فريقها ولم يقم الأمن بالقبض
عليهم .


هذا جزء .. الجزء الآخر هو ما قامت به جماهير الإسماعيلي من
تحطيم لملعبها والاعتداء على بدلاء الأهلي وجهازهم الفني وهي النقطة التي
كان من المفترض أن يتوقف عندها الجميع ولكن وياللعجب توقف الجميع أمام
الشماريخ وتركوا ما حدث دونها !! بل ولم يتحدث أحد عن " فشل " الأمن في
تأمين خروج الأهلي وجماهيره من الإسماعيلية لمدة سبع ساعات بعد المباراة
!!!


هذا ما حدث في الإسماعيلية .. وبعد أن بدأت حملة واضحة ضد ظاهرة
روابط المشجعين وجدنا الأمن المصري يتعامل مع جماهير الكرة على أنها مسجل
خطر .. و للحق فإن الأمن يتعامل مع الشعب كله على أنه مسجل خطر .. ما
علينا !!


في جميع أنحاء العالم المتحضر تكون قوات الأمن المختصة بتأمين
الملاعب والمباريات والجماهير "قوات خاصة" عملها هو تأمين المباريات
وتأمين الجماهير والملاعب .. لماذا ؟ لتمتعهم بثقافة كرة القدم، ومعرفة
طقوس وأحوال جماهير الكرة وبالتالي فعندما نجد هناك تدخلاً للأمن فيكون
التدخل ذو معنى وبسبب لا يمكن السكوت عليه أما دون ذلك فلن تلاحظ أن هناك
أمن في الملعب أصلا ؟؟


وكم ضحكت عندما قرأت تقريرا عن مباراة نهائي أوروبا الأخيرة في
روسيا عندما أعلنت روسيا أن التواجد الأمني سيكون غير مسبوق خارج الملعب
.. وقالوا إن هذا التواجد الغير مسبوق سيكون ""1000 عسكري .. فقط !!

أما عندنا فإن مباراة الكرة في مصر يؤمنها ما لا يقل عن 6000 عسكري -
وبتاع 200 ظابط على 50 لواء !!! على حوالي 10,000 مخبر في المدرجات ( مخبر
لكل متفرج .. وفي الدرجة الثالثة كل متفرج معاه مخبر هدية علشان يراقبوه
هو والمخبر بتاعه .... ) !!!


المشكلة ببساطة شديدة .. أن كل مواطن مصري لا يعرف حقوقه ..
وبالتالي فإن مشجع الكرة هو الآخر لا يعرف حقوقه ولا يعرف كيف يجب أن
يتعامل معه الشرطي أو غيره .. لأنك ببساطة انسان وهو أيضا انسان .. هو
يقوم بواجبه وأنت لا تؤثر على تأديته لواجبه، و عليه فإن المعادلة ببساطة
هي أنه " ملوش عندك حاجة " !


من حق الأمن أن يؤمن جماهير الكرة ويؤمن ملاعب الكرة ولكن ليس من حقه أن يسئ لأي شخص بأي طريقة وبأي أسلوب .


من حق الأمن أن يقول أنه يمنع دخول الألعاب النارية والصواريخ وما إلى ذلك
.. ولكن ليس من حقه أن يمنع دخول علم وزمارة و"شوية ميه علشان نشربهم" ثم
أيه تأثير العلم على أمن الدولة !!..

ليس من حق الأمن أو أي شخص في هذا البلد أن يسب أي شخص آخر بأهله حتى ولو
قام هذا الشخص بمخالفة القانون .. لديك قانون .. نفذه .. و دون أن تسئ
لأحد !

من حق الأمن أن يطلب الجماهير بأن تلتزم بقواعد الدخول والخروج من الملعب
.. ومن حق المشجع الذي يذهب إلى الملعب أن يشاهد بعينه أن هناك نظام ينفذ
على الجميع بعيداً عن " اتفضل يا باشا أنت والقطط اللي معاك !!" وطبعا كل
اللي بيروحوا الأستاد عارفين انا بتكلم على أيه !

من حق الأمن أن يصر على وجود تذاكر مع كل شخص على باب الاستاد .. ولكن من
حق المشجع ألا يدخل أحد بدون تذكرة لأنه " لا مؤاخذة تبع الباشا " !

في النهاية ... الأمن المصري مرة أخرى - أقولها وبدون خوف من أحد - يحتاج
الى أن تكون لديه ثقافة " التعامل مع البشر العاديين " وليس فقط ثقافة
التعامل مع المجرمين .. لأن من يذهب الى الملعب ليشاهد مباراة " غالبا لا
يكون مجرم " !

ومن حق المتفرج أو المشجع أن يشتكي أي فرد من أفراد الأمن أساء له ومن حق
الأمن أن ينفذ القانون ضد أي شخص تخطى حدوده القانونية ولكن " بالعقل "
وليس بالخيل والخيالة والخرزانة !!


نصيحة أخيرة :
ليس من مصلحة أي شخص في هذا البلد أن تكون العلاقة بين الشرطة والجماهير هي علاقة " يا أنا يا أنت يا جمهور !! "



وأشوف وشكم بخير .. حتوحشوني !