عشت في عائلة لا تعرف القيود و الحدود،و ليس في قاموسها كلمة "لا" كل ما يحلو لك افعليه، و لكن تتحملين النتيجة أنت وحدك، هذه الكلمات كثيرا ما سمعتها من والدتي. و هذا المبدأ الذي طوق بيتنا كان مفتاح صداقة بيني و بين شاب تعرفت عليه عن طريق الهاتف، و من ثم تطورت العلاقة إلى اللقاءات خفية عن أنظار أهلي.
و في يوم من الأيام كنت معه في السيارة، أصر أن ندخل أحد المراكز التجارية، و رفضت هذه الفكرة خوفا من أن يراني أحد من أقاربي أو صديقاتي، و لكن عناده و إصراره كانا أقوى من توسلاتي.
و بينما كنا في السيارة أطلق صرخة مدوية معلنة توقف السيارة عن الحركة، فقلت له: أرأيت؟ قلت لك لا أريد أن أذهب لهذا المكان، قاطعني بكلمات كانت علي مثل الجمر: أنت يا أم الحياء... هيا أخرجي من السيارة، و ارجعي إلى بيتك سيرا على الأقدام، هيا اخرجي.
فتحت باب السيارة و الدموع تنهمر من عيني، و عرفت في هذه اللحظة حقارة نفسي ودناءتها لفعلتي هذه و أدركت أن كلامه ما هو إلا أكاذيب و خداع لي.
سرت و لا أعرف أين ستوصلني خطاي، أحدث نفسي تارة و أرى طريقي تارة أخرى. فالصدمة التي أحاطت بي شلت تفكيري... ماذا أفعل الآن؟ و من سينقذني من هذا الوضع؟ و إذا هاتفت البيت ماذا سيكون جوابي؟!!
التفت يمينا و يسارا لعلي أرى أحدا ينقذني من هذا الموقف. و بينما أنا في خضم التفكير سمعت قراءة الكريم من تسجيل سيارة، أخذت خطواتي تتسارع نحوه و قلبي يدق سريعا رهبة و رغبة لهذه الكلمات العظيمة، وقفت بجانب هذه السيارة التي كان بداخلها امرأة في العقد الثالث من العمر.
مرت الأفكار بي سريعة منذ أن تعرفت على هذا الشاب و حتى هذا الموقف حيث أسمع الآيات التي كأنها تخاطبني و دموعي تنهمر ندما و حسرة. حيث عرفت حينها أن الملجأ الوحيد للإنسان هو ربه و خالقه، و ما زلت أفكر في حالي، و كيفية الخلاص من هذا الموقف، حتى قطع سهوي و شرودي نداء صاحبة السيارة."ابنتي ما بك؟ هل أستطيع مساعدتك؟"
كانت هذه الكلمات مثل حبل النجاة مما أنا فيه. " نعم يا خالتي أريد أن أرجع إلى البيت، و لا أجد من يوصلني،
قالت: هيا اركبي سأوصلك بنفسي إلى البيت، هيا لا تخافي".
وركبت السيارة، غير مترددة، و في تلك اللحظة عرفت أن الله سبحانه أكرمني بنعمة عظيمة و هي الرجوع إليه. سرنا بالسيارة، و كنت أسمع القرآن الكريم و هو يهز كياني و شعوري، و كانت دموعي هي دعاء الغفران لفعلتي تلك.
التفتت نحوي صاحبة السيارة و قالت لي: خذي امسحي دموعك، فالدنيا ما زالت بخير. أرأيت هذه الورقة التي بيدي ماذا ترينها؟
قلت لها و أنا متعجبة من هذا الاستفسار: ما أراه هو ورقة بيضاء.
فقالت لي: ابنتي، رأيت المشهد الذي حصل لك منذ قليل مع الشاب! قاطعتها، و قلت: و لكن يا خالتي، وما دخل الورقة هذه بالموقف السابق؟
قالت لي: ستفهمين بعد قليل، و الآن هل هناك فرق بين الورقة المكومة و الورقة نفسها من قبل.
قالت لي : ستفهمين بعد قليل، و الآن كومي الورقة بيدك..فكومتها بيدي، قالت: ماذا ترين الآن هل هناك فرق بين الورقة المكومة و الورقة نفسها من قبل.
فقالت: هكذا يا ابنتي سمعة الفتاة مثل الورقة البيضاء، أي خدش منها يؤثر عليها، و يظل عالقا بها طول حياتها.
شرد ذهني في الورقة البيضاء التي بين يدي، و حديث الخالة حتى وصلت إلى المنزل، فقالت لي: أتمنى يا عزيزتي أن تدركي معنى حديثي، فوالله ما أراك إلا مثل ابنتي.
طبعت قبله على خدها، و قلت لها: أشكرك يا خالة، و لكن صدقيني عمري الآن ستة عشر عاما و لم أجد شخصا ينصحني و يرشدني مثلك، و إن شاء الله هذه الورقة البيضاء التي بيدي سأحتفظ بها و لن أنساها أبدا.
دخلت غرفتي مسرعة أبحث عن مذكرة الهاتف، و مسحت الأرقام التي دونتها برموز مختلفة لبعض الشباب. و أخذت أفكر جديا بأن أجد لحياتي ممرا صحيحا أعيش من خلاله لبناء شخصيتي مرة أخرى بروا سخ ثابتة لن أتخلى عنها .
ضاقت بي الدنيا بما رحبت فخرجت لأستنشق الهواء في حديقة المنزل، و إذا الهاتف يرن فرفعته ، و إذا هو الشاب نفسه يضحك قائلا: ألو...ألو أين أنت.
قطعت المكالمة و سرت إلى الحديقة و أنا أفكر بحديث الخالة و الورقة البيضاء بيدي، و كلما رأيتها انهمرت دموعي للأيام التي ضيعتها بين وهم و ألم. و أقول في سأتغير للأفضل.
و مر على الحادث خمس سنوات و بينما أنا في أحد المستشفيات في غرفة الانتظار، و إذا الخالة التي لقيتها و نصحتني تطل و لم تتعرف علي، جلست و ذهبت إليها مسرعة، و ألقيت التحية ، فردت و لكن بدهشة لأنها لم تعرفني، فقلت لها : يا خالة، أعرف أنك لم تتعرفي علي، و لكن أنا صاحبة الورقة البيضاء!!
فقالت : ماذا؟ الورقة البيضاء....نعم، نعم، عرفتك أنت التي أوصلتك إلى المنزل!
وقفت و صافحتني بحرارة، فقالت: و الله يا ابنتي لم أعرفك!! لقد تغيرت كثيرا، خاصة و أنك ارتديت الحجاب.
قلت لها: نعم يا خالة، بعد هذا الموقف و نصيحتك لي غيرت حياتي، و أقبلت على الله سبحانه و اهتممت بدراستي و أنا الآن في الجامعة.......
ابتسمت الخالة، و قالت: الحمد لله ، الحمد لله.. عسى أن يوفقك الله لما يحب و يرضى، صدقيني يا ابنتي منذ ذلك اللقاء و أنا أدعو لك حينما تخطرين على بالي.
فقلت: و هذا ما أشعر به يا خالة، إنني الآن في سعادة كبيرة الحمد الله حفظت ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم، وانظري هناك إلى الرجل الذي يحمل طفلة ذا الرداء الأزرق، إنه زوجي و ابنتي "نور" كم تمنيت أن أعرف اسمك و رقم هاتفك فقط لكي أقول لك الورقة البيضاء رسمت حياتي نحو المعالي، أشكرك كثيرا و أنا أنتظر زيارتك في بيتي، فأنا بحاجه لأم تنصحني و ترشدني و تعلمني حتى و لو أسست بيتا جديدا.
أتمنى أن تكون نالت إعجابكم و قبل هذا أن تكون أفادتكم و أتمنى لكل فتاة في هذا
السن التوفيق في الحياة و السعادة