يقول الراوي :
كنت مسافراً بالسيارة إلى مكة ، وفي الطريق.....
فوجئت بحادث سيارة
يبدو أنه وقع لتوه
أوقفت سيارتي
واندفعت مسرعاً
محاولاً إنقاذ من فيها
تحسستها بحذر
نظرت إلى داخلها
خنقتني العبرة
ثم أجهشت بالبكاء
منظر عجيب
قائد السيارة
ملقى على مقودها
جثة هامدة
مشيراً بسباته
كان وجهه مضيئاً
تحيط به لحية كثيفة
كأنه فلقة من قمر
كنت أتلفت داخل السيارة كالمجنون
وفجأة
رأيت طفلة صغيرة
ملقاه على ظهره
محيطة بيدها على عنقه
وقد لفظت أنفاسها وودعت الحياة
لا إله إلا الله
لم أرى ميتة كهذه الميتة
سكينة ووقار
صورته وقد أشرقت شمس الاستقامة على محياه
منظر سبابته التي قضت وهي توَّحد الله
جمال ابتسامته التي فارق بها الحياة
وفجأة
صدمت عندما ألتفت للخلف
فإذا امرأة قد جمعت علها ثيابها
وأحكمت حجابها
وجلست بهدوء تنظر إلينا
تضم إلى صدرها طفلين صغيرين لم يصابا بأذى
كانا مضربين ينتفضان
وهي تذكر الله وتهدئ روعهما
شعرت أنها جبل شااااامخ
كانت تحاول النزول من السيارة
بثبات عجيب .. لا بكاء .. ولا صياح .. ولا عويل
أخرجناهم جميعا من السيارة
من رآني ورآها ظن أني صاحب المصيبة دونها
اشتد بكائي .. والناس ينظرون إلي
فالتفتت إلي وهي تغادر السيارة
وقالت بصوت تقطعه العبرات :
يا أخي لا تبكِ عليه إنه رجل صالح .. صالح
ثم غلبتها العبرة فسكتت
نزلت تضم إليها طفليها
وتتفقد حجابها وتصلح من عباءتها
فلما رأت لغط الناس وازدحامهم
انزوت بعيداً مع طفليها
وبادر أحد المحسنين وحمل الرجل وطفلته إلى المستشفى
وهي تنظر إلينا من بعيد
أقبلت إليها وعرضت عليها أن تركب معي لأوصلها لمنزلها
فردت بكل حياء بصوت هادئ
لا والله ... لا أركب إلا في سيارة فيها نساء
ومر الوقت طويلاً
ونحن ننتظر على تلك الحال العصيبة
وهي ثابتة ثبات الجبال
حتى مرت بنا سيارة فيها رجل وأسرته .. أوقفناهم
أخبرناهم خبر المرأة
وسألناه أن يحملها إلى منزلها ... فوافق
فركبت هي وطفليها معهم
كنت أشعر وهي تمشي كأنها جبل أشن يمشي على الأرض
كنت أقول لنفسي
انظر كيف يحفظ اللهُ الرجلَ الصالحَ في أهله من بعده
وتذكرت قول الله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون
* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآخِرَةِ)
نعم لا تخافوا على ما تركتم في الدنيا
لأننا نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا
نحفظ أهلكم من بعدكم
نسكّن روعهم
ونربط على قلوبهم
ونكفل رزقهم
ونزيد عزهم
فما أروع القرآن
وما أجمل أن تكون علاقتك بالله قوية متينة
لأنه الحي الذي لا يموت
والغني الذي لا يبخل
ما أجمل أن يراك الله في الليل باكياً
وفي النهار تالياً
لتكون محبوباً عند الله
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ
اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ
وجزاكم الله خيرا