ثمة حقيقة لا يمكن التغافل عنها مهما تحفظنا عن موقف صاحبها،وهي ان جنرال
الكرة العراقية و(سد دوكان) خط الدفاع في العهد الثمانيني عدنان درجال اول
لاعب مهاجر صدوق مع نفسه ومع الاعلام عندما اعلن مؤخراً بانه غادر العراق
بلا عودة ، موفراً الوقت لكل من أعياه البحث عن أدعياء الوفاء للزمن البهي
لكرتنا ، بان يكونوا امناء على شرف وعودهم ولا يتخذوا ( المشاعر المزيفة)
رذاذاً لإنعاش لقاء ( مؤجل) مع وطن ارهقه انتظار الأحبة ، آملا إعانتهم له
على اجتياز طرق الحاضر الوعرة والشاقة ، وصولا الى مشارف مرحلة الاطمئنان
على مستقبل الجميع.
نحن مع عدنان درجال .. الانسان الحر الذي تكفل له قوانين السماء
والارض العيش في المكان الذي يختاره سبيلا لتامين رزقه ، ومرفأ لسعادته ،
وملاذاً يحمي آدميته من التهديد والاهانة والتجريح وربما خسارة حياته اذا
كان يشعر بذلك ولا يقدر على فك حصاره النفسي من قبضات هذه الخلجات وما
تثيره من حزن ومرارة كلما وسوس ( شيطان ) عزلته بان يبيد فكرة العودة الى
حضن العراق في مهدها.
لكننا لسنا مع الجنرال (اللاعب والمدرب ) الذي خرج عن صمته وليته لم
يخرج..! فقد شعرنا بان صراحته مارست قمعاً مؤذياً لذاكرة العراقيين (
صحافة وجمهور) ، عندما كشف عن سر واقعة طرده في مباراة الامارات ضمن خليجي
الكويت عام 1990 بقوله
كنت انا وحسين سعيد عضوين في الاتحاد ولاعبين في
الوقت نفسه ، جلسنا في ليلة المباراة مع المدرب انور جسام ووضعنا التشكيل
بموجب " اوامر عليا " تعهدنا لها بالتوقيع على تحمل المسؤولية في حالة
الخسارة ، ورضخ جسام لهذا الاجراء لانه لم يكن امامه سوى الموافقة) !
اولا : يعرف درجال ان جساماً ليس من نوعية المدربين الخنوعين ، وتشهد له
شخصيته القوية في معارضة أي تدخل في شؤونه التدريبية حتى وان جاءت بضغوط
من " اوامر عليا " وهي نفسها التي وقف امامها فاضحاً دعمها لعناصر دخيلة
للرياضة انشغلت بالتجارة وغسل الاموال في عز تلظي وانكواء قلوب الرياضيين
ايام الحرب والحصار. وثانياً : ان استبدال حسين سعيد في الشوط الثاني
باللاعب سعد قيس دليل لا يمسه شك على تعامل جسام مع سعيد كلاعب رهن رؤيته
في الملعب وليس عضو اتحاد امضى ورقة المسؤولية نيابة عن الملاك التدريبي
كما زعم درجال !
وثالثاً : كنا نتوقع ، على غرار نجوم العالم في القول المنصف اثناء اماطة
اللثام عن خطايا تاريخية ، ان يدين درجال في اعترافاته - بعد مرور 19
عاماً على الدورة الخليجية او يبدي عدم رضاه ( اضعف الايمان) على طلب
(الأوامر العليا) من اللجنة المنظمة للدورة المذكورة بإلغاء الكارت الاحمر
الذي وجهه له الحكم الفنلندي (بالسي) مقابل عدول منتخبنا عن الانسحاب ،
لان في ذلك نسفاً لقوانين كرة القدم وعودة فكرية الى عصرها الجاهلي مهما
كانت دوافع الطلب التي بررها درجال ، لكنها في الوقت نفسه شهادة دامغة على
أمية عقل رئيس الاتحاد في إدارة اللعبة آنذاك.
الأمر الآخر الذي ناقض درجال حديثه في محاولة للتظاهر بانه ظُلم اسوة
بالرياضيين عندما كشف عن ظروف مغادرته العراق إبان معاقبته بالسجن مدة
عشرة ايام بسبب خسارته امام كوريا الشمالية ( 2-3) في تصفيات مونديال
اميركا 1994 ،وقراره المغادرة بعد ثلاث سنوات ثم تأكيده بانه لولا هذا
الموقف لبقي في البلاد حتى الان ! ألا يعد هذا هروباً من الحقيقة ؟ فماذا
يمنع درجال من امتطاء اول طائرة عراقية قادمة الى بغداد ويُسهم في مداواة
علل الكرة العراقية ومنتخبها المريض الذي أدار له وجهه ثلاث مرات وكأن
التقرب منه يجلد احساسه بوجع الليالي العشر التي كافأت – الاوامر العليا –
بها خدماته الدولية للمنتخب
تذكر ياجنرال الدفاع ان تشبث اغلب عناصر جيلك الذهبي في خدمة اندية
ومنتخبات عربية طوال عقد من الزمن أفرغ الساحة المحلية من المدربين
الاكفاء ، وأملأها بالاميين والمغمورين والمنتفعين ما نجم عن ترهل كبير في
اسس قيادة لاعبي اندية الدوري الممتاز – نواة المنتخبات الاولمبية
والوطنية - لكن ما يحسب لمن شغل دوركم حاليا وعوض بعضا من نقص الخبرة في
الادارة والتدريب انهم لم يتخلوا عن وطنهم ،واذا كنت تفاخر وتجاهر( كنا
افضل المحظوظين في زمن صدام حسين) ، فتأكد ان المحظوظ الاكبر لأي انسان
تحدده قيمته في وطنه وفيض جهده السخي لإعلاء شأنه وإرضاء حقه عليه عبر
جميع الازمنة بعيداً عن هدايا وامتيازات الأنظمة التي وهبت عطاياها من خير
العراق.
ومضة : تفقدك اللاعبين الدوليين القدامى جاء متأخرا ، فالحارس حامد
فوزي مات على اريكة الوفاء للعراق منذ ثلاثة اعوام ولم تمتد اليه حنايا
النجوم السابحين في الثراء!